الاثنين، 10 أغسطس 2009

فرح




إنها الثانية بعد منتصف الليل .. استيقظت على آهات زوجتى .. زاد التعب عليها .. فقد ثقُل حملها .. ذهبت بها إلى المستشفى .. سريعاً كانت بحجرة العمليات بينما كنت أنتظر بالخارج وفى داخلى مزيج قلق وخوف وسعادة غامرة .. قلق وخوف على زوجتى الغالية .. فقلبها لا يحتمل أية متاعب .. وسعادة شديدة بهبة الله لنا .. فاليوم سأصبح أباً بعد عشرسنوات من استشارة ومراجعة الأطباء فى كل مكان .. لم نفقد الأمل يوماً .. وأخيرا منَّ الله عليّ بحمل زوجتى وبشرني الطبيب بذلك .. فرحت فرحا شديدا رغم علمى وعلمها بأن هذا الحمل خطر عليها وعلى قلبها الضعيف .. مرت أشهر الحمل بسلام وأخيراً جاءت لحظة الوضع .. أخبرنى الطبيب بأنها ستخضع لعملية قيصرية .. فالولادة الطبيعية تمثل خطراً كبيراً عليها .. تمر الدقائق ببطء شديد .. أخذت أدعو وأتضرع إلى ربى أن يحفظ لى زوجتى ووليدى .. أخيراً خرج إلىّ الطبيب وتعلو وجهه ابتسامة .. حمدا لله على سلامة زوجتك .. ومبارك لك فقد رزقك الله بتوأم "بنتين" .. لم أشعر بنفسى إلا والدموع تنساب من عينى .. حمداً لله فزوجتى بخير .. انتظرت طويلاً حتى أفاقت .. دخلت إليها وقبلتها بين عينيها وعلى جبينها .. رأيت فتاتيَّ .. وجهيهما -مثل أمهما- كالقمر .. بعد أيام عدنا للمنزل تحمل معها طفلة وأنا أحمل الأخرى .. قطعتى اللحم الصغيرتين هاتين .. متى أرهما تلهوان بين يدى .. يكبران أمام عينيّ .. أسميناهما "فرح وبسمة" بكائهما المستمر لم يكن ليضايقنى أبداً .. فقد كنت أشعر بسعادة وأنا أحملهما وأخاف من شدة ضمتى عليهما .. ولربما كنت لا أستطيع النوم إلا بصوت بكائهما .. وفى ذلك اليوم .. الذى مازلت أتذكره وكأنه بالأمس .. استقبلتنى زوجتى ويبدوا عليها علامات الفزع الشديد .. قالت لى أنها تشعر أن هناك شئ بفرح .. كانت تلاعبها و أختها ولكن كانت تشعر بأنها لا تلتفت إليها .. حاولت طمأنتها وأخبرتها بأننا سنذهب بها للطبيب .. وبالفعل ذهبنا .. وهنـــاك .. انتشلنى الطبيب من بحر القلق .. ليلقى بى غريقاً بلا هوادة فى محيط الحزن والأسى .. ففرحتى لا ترى .. نعم لا ترى منذ ولادتها .. وذلك قدّر ربى وما شاء ربى فعل .. حاولت أن أظهر التماسك أمام زوجتى .. وداخلى يتمزق .. ولكنى أوّل من إنهار من الحزن .. وهى من كانت تزرع بداخلى الصبر على قضاء الله بالرغم من شدة ألمها .. كنت أرقب نموهما يوما بيوم .. فرحت فرحا شديدا عندما نطق لسانهما بكلمة "بابا" .. بالطبع كانت فى البداية غير واضحة المعالم .. كنت أداعبهما وألاعبهما وأنظر لفرح وقلبى يبكى .. ولكنى كنت أسمع ضحكها يملأ المكان وأرى البسمة تملأ وجهها فيخفف ذلك عنّي الكثير .. كَبُرَت الفتاتان .. كانت فرح ترتاد مدرسة قريبة للمكفوفين .. وأختها فى مدرسة مجاورة .. لم أنس هذا اليوم .. عندما وجدت فيه زوجتى تجلس وعلى وجهها حزن عميق .. سألتها عما بها .. قالت إنها كانت تستذكر لبسمة بعض الدروس استصعبت عليها فهمها .. فجاءت إليها فرح .. وقالت "لماذا يا أمى تساعدين بسمة على فهم دروسها، وأنا لا ؟" .. تفادت الموقف .. وساعدها على ذلك كونهما فى المرحلة الإبتدائية ذاتها .. وتدرسان الدروس عينها .. فكانت تساعدها فى دروسها من كتب شقيقتها .. وكانت تشعر بسعادة فرح بذلك .. إلا أنها كانت تشعر بالألم يعتصر قلبها كلما تذكرت كلامها .. كانت فرح الأقرب إلى قلبى .. تمتلك إحساسا مرهفاً .. وقلبا يغمره النقاء والصفاء .. فهى فيض حنان ..
وهى من كانت تغمر البيت كله بالبهجة رغم عجزها البصرى .. ومرّت الأيام سريعاً .. حتى جاء يوم .. اشتد فيه المرض والتعب على زوجتى .. وبعد عناء طويل بين هذا الطبيب وذاك الآخر .. قدّر الله لى أن أفقد أعز ما أملك .. زوجتى !!
توفيت زوجتى بعد صراع طويل مع المرض .. وتركتني وحيداً برفقة فرحتى وبسمتى .. أصارع خليط الحزن والأمل بداخلى .. فالحزن على فقدان فرحتى البصر .. والأمل فى حياة أفضل لهما بعدما فقدا غاليتى وغاليتهما .. مرت السنون .. فتاتاي أصبحتا عروستان .. تزوجت بسمتي وقريبا ستضع مولودها الأول .. لم يعد بالمنزل سواي وفرح .. أعود للمنزل بعد عناء يوم شاق .. وأقوم سريعا بتحضر الطعام .. قبل عودة فرح من عملها .. فهي تعمل بإحدى الجمعيات الخيرية القريبة في نشاط المكفوفين .. بعد أن أتقنت إستخدام الحاسب الآلي .. عدت اليوم كالعادة .. وما إن دخلت حتى سمعت صوتا بالمطبخ .. كانت فرح وقد عادت مبكرا .. جرحتها السكين .. وأرادت مفاجأتي بتحضير الطعام .. سريعا ضمدت جرحها .. وطلبت منها أن تتركني أتولى أنا هذا الأمر .. ولكنها رفضت وأصرت على تحضير الطعام بنفسها .. وبعد تناول طعام الغداء .. اقتربت مني فرح .. وكانت تحدثي والسعادة تغمرها .. والخجل .. قالت لي أن هناك شابا تعرفت إليه في الجمعيه .. طلب منها اليوم أن يأتي لزيارتي في المنزل .. لم أصدق أنه قد جاء ذلك اليوم .. أتخيل فرحة زوجتي _ رحمها الله _ بذلك اليوم .. اقربت منها واحتضنتها .. وأنا أداعبها بمرح .. وأرى حمرة الخجل تعلو وجهها .. قابلته .. شاب حنون .. تحدث إلي وكيف أنه كان يراقبها وتعلق قلبه بها .. لم أعرف من أهنئ بالآخر .. أهنئها به أم أهنئه بها .. ولكني أنا من يجب أن أهنئ نفسي بهما ..
أسعد لحظات حياتي قد أتت .. لحظة تتويج فرح ملكة في بيتها .. أنتظرها الآن خارج غرفتها لتتأبط ذراعي وأسلمها بيدي لزوجها .. ها قد أتت فتاتي .. بين صديقاتها .. كالقمر ومن حوله النجمات .. اقتربت منها .. قبلتها بين عينيها .. وكنت أبكي .. بللت بدموعي جبينها .. اقتربت مني بسمة .. تحتضنني و تمسح دموعي .. تنظر إلي بغضب مصطنع وتقوللي وهي تبتسم أني بذلك أفسد زينة فرح ..مر اليوم سريعا جدا ..أتذكره الآن وأنا أنتظر لقيا فرح وزوجها قادمين من سفرهما بعد غياب دام ثلاثة أشهر ..بعد انتقال زوجها للعمل في تلك المدينة الساحلية .. وقد مر أمامي شريط الذكريات ..
ذكريات لن تُنسى !


21/7/2009



هناك 9 تعليقات:

micheal يقول...

أسلوبك حلو في القصة القصية
استمري

MyDream يقول...

جميلة أوي ياسمسم
تشدك تقريها للآخر وتندمجي معاها (Y)


عاجبني أوي " فرحتي " ^_^

هاني مهران يقول...

الحكاية حلوة

واسلوبك كويس

بس


تقبلى مرورى

بيسان يقول...

نسيت أقول إن القصة دي أدخل عليها الأستاذ عمرو ذكريا مشكورا بعض التعديلات الجوهريه ^_^

بيسان يقول...

شكرا ليك يا مايكل
أسعدني مرورك :)

بيسان يقول...

مونتي :wub:
بعض ما عندكم :shy:

عذراكي بس عشان الإمتحانات :D
بس مستنيه تكتبي حاجه جديده :rayya:

بيسان يقول...

الأستاذ هاني مهران شكرا لحضرتك يا فندم ..
أسعدني مرورك :)

immigrant يقول...

تصدقي إنتي صعبانة عليا يا بنتي ؟ :bosy:

:P

حلوة يا سمسم :wub:

بيسان يقول...

هار أبيض .. جوجو هنا :O
جوجو يعني اسكندريه وبنات اسكندريه وأنا وانت ^^

ميخسي يا جوجو :shy:
متقطعيش الجوابات :grrr: