الأربعاء، 22 مايو 2013

محطة مصر (4)





غالبًا كلّما قررت الذهاب إلى هناك تقابلها بعض المواقف المريبة ..

 تلتقي إناس غريبين فذلك الذي كان بجانبها في
الميكروباص يبدو مريبًا جدًا!

يرتدي نظّارة سوداء تضفي عليه القليل من الغموض ..

 يمسك بيد هاتفه المحمول المشغّل على إحدى أغاني "محمد منير" يدندن معه ..

 يلتفت في اتجاهات كثيرة .. و يتحرك بشكل مريب ..


 _________________




ما إن وصلت إلى هناك حتى هاتفت صديقتها و أخبرتها عنه ..

 تحدثتا بشأن أمور كثيرة ..

 ضحكتا ، انتهت المكالمة!




 ________________




محطة مصر ..

 لا تتذكّر المرة الكم هذه التي تأتي فيها إليها ..
 في الحقيقة لم تعد تحسب لنفسها المرات ! تأتي إليها فقط كلّما شعرت بحاجتها إلى ذلك !

 يربطها شيء ما بهذا المكان ..

 صخب المسافرون ..

 صوت الصفير المعلن عن قدوم القطار ..

 حتى صوت الصفير المغادر .. الصفير المهاجر! ..

 لكن ذلك الصوت المزعج لا تحبه ..

 صوت هدير المحركات المنتظرة! أو لربما لأنها في كل مرة تريد الرحيل .. ولا تملك ذلك!

 و صوت الانتظار يذكّرها بعجزها 



_________________




دائمًا يكون معها شيء تقرأه في هذا المكان ..

 أخرجت الرواية و شرعت في استكمالها ..

 وجدت نفسها مندمجة على غير العادة غارقة في التفاصيل!

 كأنها جزء من الرواية .. في نفس المكان ..

 تشعر باتساع الغرفة و ضيقها .. الضوء و الظلام .. تشارك البطل آلامه و ضحكاته ..

 كل شيء! ..

 تشرد عنها قليلًا ثم تعود ..




 __________________




لم تعد تجد حرجًا في نظرات بعض الأشخاص إليها .. أو تحديق البعض!

 تنظر إليه لتجده يمشي باتجاه و رأسه في الاتجاه  المعاكس!

 تتخيّل لو ظهر أمامه عمود فجأة .. تضحك لفكرتها الشريرة!


 __________________




 قطارات تأتي و قطارات ترحل أمام الأرصفة الخمسة أمامها!

 و هناك ثلاثة أرصفة أخرى في الجهة المقابلة ..

ثمانية أرصفة ..

 الخمسة أمامها مخصصة لقطارات الوجه البحري .. و الثلاثة الأُخر مخصصة للوجه القبلي!

هي تعتقد ذلك و إن لم تسأل .. 




_________________




ربما ذكّرت مسبقًا أن من ضمن أسباب مجيئها هو مراقبة الناس ..

المسافرون بصفة خاصّة ..

 هي أيضًا تراقب الحمائم و العصافير .. التي تدخل من فتحات السقف ..

تبحث عن طعامها .. أو عن وليف! 




_________________




و هي منهمكة في القراءة اقترب منها طفل صغير ..

 لم تنتبه إليه!

 جاء ليتسوّل .. و يحمل في يده شيء يريها إياه !

لم تتبين أنه جواز سفر إلا بعد أن تجاوزها ..

 أيقنت هي من ملامحه أنّه طفل سوري  !

 أرادت لو عاد إليها مرة أخرى لتسأله عن حاله و أهله ..

 أين يسكن .. رقم هاتف تستطيع من خلاله مساعدتهم!

 تابعته بنظراتها على أمل أن يعود لكنّه اختفى!

 و ظهر فجأة أمامها على الرصيف المقابل ..

و هناك سيدة و زوجها يتحدثان معه في حديث طويل ..

 ثم تركهما و شرع في استكمال ما يفعل!

 تساءلت .. هل كونه طفل سوري سيساعده على احتراف التسوّل؟!

 لا تريد له ذلك!

 كما جاء ببالها مبادرات المساعدات لصالح السوريين بمصر ..

و هناك من المصريين الأرق حالًا ولا يجد من يسأل عنهم! 



 _____________________




جلسوا بجانبها ..

 ثلاثة!

طفل و أمّ و جدٌّ .. ثلاثة أجيال ..

 الأم أخرجت علبة "الكشري" لطفلها الذي بدأ يتناوله في نهم ..

 و الجدّ شرع في التدخين .. و الأم التفتت إلي تسألها عن قطار المنصورة!

 ملامحها تؤكد ذلك فعلًا .. و إن كان سمرة بشرتها في البداية خدعتها..

 لم تكن قد لاحظت لون عينيها الآثر!

عند قدوم القطار وقف الطفل ..خافت الأم عليه بالرغم من بعد المسافة بين الطفل و القطار

 .. تركها و ذهب مع جدّه بينما تتوالى نداءاتها المتكررة عليه




 __________________




وقفتا أمام أحمالهما ..

 خمسة أسبتة من الخوص .. حملها إليهم ذلك الرجل النحيف ..

 كافأتاه ببضعة نقود و قطعة من الجبن التهمها في الحال!

 فلّاحتان .. تحملان الجبن و الزبّد من قريتهما لبيعه في القاهرة!

 كانتا تطلبان المساعدة من العابرين لمعاونتهما في حمل الأسبتة الثقيلة فوق رأسيهما!

  شدّتها ملامحهما الريفية الجميلة .. ذلك البياض المشرّب بحمرة .. جلابيبهن التي لم تتخلّيا عنها ..

حقًا..

.. الجميلات هنَّ القوياتُ" يأسٌ يضيء ولا يحترق" 


الثلاثاء، 7 مايو 2013

أهل القبور ما بين أمواتٍ و أحياءٍ كالأموات




"تنويه"



هذه النوت ليس الغرض منها استدرار عطف أو صعبانيات سيادتكم .. 

و أي تطابق بين أي شخصية من شخصيات النوت و شخصيات في أي عمل درامي هو من قبيل محاكاة الواقع


--------------------------------------------



أبطال النوت .. 
____________


عم محسن و زوجته و بنتهم أمل .. أم إنجي و يوسف .. منى و ابنها الصغير طه ..

ندى و محمد و شهد و عيلتهم

الراجل الضخم اللي لابس بيجاما بيضا بكنار أزرق و أختينه الكبار

و ناس تانيين معرفتهمش .. 



--------------------------------------------



تبدأ النوت من أول ما دخلنا بالعربية منطقة ترب الغفير .. 

أو خلينا نبدأ من قبلها .. بساعة تقريبا .. 

كنت طلبت من ماما أروح مع صديقتي نوصل تبرعات لسكان المقابر الأحياء طبعا .. 

ماما طلبت مني أسلمها التبرعات من غير ما أروح هناك .. لخوفها عليا من المكان هناك

أو لأنها أدرى بطبيعة بنتها الضعيفة أمام هذه الأشياء .. 

لكنّي قررت أخوض التجربة رغم كل شيء


--------------------------------------------

بدون الدخول في تفاصيل مملة .. 



نبدأ أول المشاهد الداخلية للمنطقة .. 
___________________________


عمو محسن ساكن أحد الأحواش في المنطقة .. كان بانتظارنا و المؤن 

فتح الحوش و دعانا للدخول .. 

الحوش عبارة عن قبرين و غرفتين

القبران كانا لبكباشي بالجيش المصري و فتاة ماتت في السابعة عشر من عمرها 

بعيدا عن جو التأملات و الخواطر اللي عشته وقتها .. 

بدأنا نتكلم مع عمو محسن عن حصر أسماء الناس اللي هيتوزع عليهم التبرعات .. 

ثم خرجنا من هناك في جولة في الأحواش المجاورة .. 


-----------------------------------------------


حوش قريب .. كان فيه ست عجوز بتمشي ع عكاز

و امرأة شابة و طفلتها الصغيرة السمراء ذات الابتسامة الجميلة نايمة في عربية أطفال .. اسمها إنجي

و أخرى يبدو من مظهرها أنها مريضة بمرض عقلي و هي منى و طفل صغير اسمه طه .. عرفت لاحقا إنه ابنها

سلمنا عليهم و استكملنا الجولة 



------------------------------------------------

كنّا عند أول الناصية عندما لمحناهم .. أو لمحونا! 

ندى و شهد  الصغيرتان .. اقتربتا من صديقتي التي يعرفونها .. 

رموا بنفسيهما في حضنها .. سلمت عليهم ! 

ندى .. الجميلة ذات الابتسامة التي تأسرك و الحديث الشيق 

فات من عمرها أربعة عشر عاما .. لا تعرف القراءة أو الكتابة 

حال أسرتها المادية لا يسمح بارتيادها إحدى المدارس الحكومية المجاورة .. 

 أخبرتني أنها بالكاد تستطيع كتابة اسمها 

و عندما سألتها إن كانت تحفظ حروف الهجاء نظراتها كانت كفيلة بالرد! 

أخبرتني صديقتي أنها تتمنى لو تجد من يعلّم ندى القراءة و الكتابة 

فكرّت لو أن يمكنني القيام بهذه المهمة

 و سألت ندى عن الأطفال في مثل عمرها أو أصغر من ذلك أو أكبر و لا يعرفون القراءة و الكتابة

قررت أنه لو قُدّر لي ذلك أول كلمات سأعلمها لندى و غيرها هي " الحب / الرحمة " 


__________________________________________


عدنا أدراجنا لعمو محسن لنشرف على عملية توزيع الإعانات .. 

وجدنا أن من تأخذ شيئا تسارع بإخبار جاراتها 

حتى وجدنا تجمع كبير لا يتناسب مع ما قمنا بإحضاره!

و بدأ البعض في التذمر و الشكوى 

و عبثا حاولنا إفهامهم أن ذلك ما كان في مقدرتنا هذه المرة! 

انصرف الجمع و ذهبنا مرة أخرى لعائلة ندى! 

أخبرتني صديقتي أن عائلهم الجد متزوج من اثنتين 

و هو و أولاده و أحفاده يعيشون في غرفتين ملحقتان بأحد الأحواش 

و لديه ابن في الثلاثين من عمره من مصابي الثورة 

يبحث عن عمل يساعد به عائلته من غير جدوى!

و هذا أقصى آماله! 

دخلنا و جلسنا على الكنبة البلدي الهالكة الوحيدة لديهم 

أصرّوا على تقديم العصائر إلينا رغم رقة حالهم .. 

جلس حولنا الأطفال .. كانت زوجة أحدهم تقوم بدق شيء أمامها 

سألتها .. أخبرتني أنها تعمل من أجل المشاركة في سد رمق هذه الأسرة! 

كانت تقوم بدق مسامير الستائر القديمة و إرسالها لأحدهم الذي يقوم بإعادة طليها مرة أخرى لتصبح كالجديدة! 

كل ذلك بسعر زهيد جدًا! .. رغم ضعفها بسبب حملها إلا أنه لا خيار لديها!


بعد قليل حضرت المرأة الشابة بطفلتها إنجي المريضة بضمور ف المخ .. 

و كانت صديقتي تساعدها بإيصالها لمن يمكنه مساعدة طفلتها!

قدمت إلينا بعض الأوراق و انصرفنا .. و كانت ندى برفقتنا!

أخبرتني صديقتي أن ندى تعيش حياتها داخل الأحواش ولا ترى شيئا غيرها .. 

لا تذهب إلى المدرسة .. تساعد أسرتها في المنزل .. 

طفلة بمثل عمرها لا تتحمل كل هذا البؤس 

إلا أن ندى تمتلك إبتسامة و روح قادرة على التغلب على كل هذا! 


-------------------------------------------------------------

سألت ندى عن منى .. المرأة المريضة ! .. 

أخبرتني أنها عندما كانت صغيرة سقطت فوق رأسها مما أدى لما وصلت إليه! 

هي مريضة عقليًا و نفسيًا كما يبدو .. 

و عندما سألتها .. كيف أن هذا الطفل ابنها إذن ؟ 

قالت : يجيء بعض الرجال و يفعلون بها ما يفعلون .. 

و أخبرتني أنها أنجبت العشرات من الأطفال .. معظمهم تم شراؤهم لأغراض مختلفة! 

.. لا أدرِ لما تذكرت فيلم "توت توت " لنبيلة عبيد .. نفس القصة! 

يستغل بعض أنها مريضة عقليا لإشباع رغباتهم الحيوانية! 

لم يعد معها سوى هذا الطفل الصغير طه! 

و هي بالأساس لا تستطيع رعاية نفسها لتكون مسئولة عن رعاية طفل صغير! 


-----------------------------------------------------------------


عودة مرة أخرى لعمو محسن و زوجته و ابنته! 

كل ما أعرفه عن هذه العائلة أن ابنتهم طالبة في كلية الإعلام! 

أتخيلها عندما يسألها أحدهم عن وظيفة والدها فتقول : تُربي! 

أو من تسألها من صديقاتها عن مكان إقامتها .. 

و أتخيل رد فعل البعض بما إننا كمجتمع تمت تربيته على الطبقية .. 

و الحكم على الأفراد من خلال وظيفة والده أو محل إقامته! 


ياللمراره .. 

--------------------------------------------------


رغم أنني أرفض مسألة تقديم المساعدات من خلال توزيع إعانات شهرية

أرى أنها غير مجدية .. 

إلا أن هذا ما نستطيعه فقط ! 


انتهى الحكي !

 

السبت، 26 يناير 2013

محطة مصر (3)





( بالأمس كانت هنا )

 وجدت مقعدها الذي كانت تجلس عليه شاغرًا .. إلا أنها جلست على المقعد الملاصق له ! حيث تذكّرت أنه بالأمس سمعت صوتًا فوقها .. رفعت رأسها لتجد الفانوس المتدلي من السقف فوق رأسها مباشرة يهتز .. و في حال سقوطه فإن رأسها سيكون مستقره .. دار ببالها أنه من الممكن أن يحركه الهواء قيد شبرًا و يسقط فوق رأسها رغم احترازها ! .. ردّدت لنفسها : لا يمنع الحذر القدر .. القدر لا يردُّه غير الدعاء! فقط الدعاء .. فلتلجأ إلى الله إذن و تتضرع إليه أن لا تكون هذه نهايتها !



 ____________________



( الحذاء البني الشمواه ذو الكعب العالي )

مرّت أمامها أم تحمل طفلها فوق كتفها .. و خلفها طفلتها تجر الحقيبة رغم تعثر خطواتها .. ترتدي حذاءًا بكعب .. تشفق عليها ..  تعلم أن الحذاء أرهق قدميها الصغيرتين .. و كم أن قدميها تئنان من الوجع! تذكّرت أول حذاء ارتدته بكعب عالٍ .. كانت في المرحلة الإعدادية وقتها .. كان بني اللون .. لم يكن لها ، كان يخص أختها الأكبر .. كانت تنتظر ذلك اليوم الذي ستتمكن فيه من ارتداء هذا الحذاء .. اليوم الذي ستصبح فيه السندريلا !  تعرف أنها متى ارتدته ستنضم لقائمةالفتيات الكبيرات .. نعم الفتيات الكبيرات فقط هن المسموح لهن بارتداء هذا الحذاء !تذكر حتى اليوم شكله و ملمسه .. شمواه بني!



 ____________________



( قراء عابرون )

كان يرتدي ذلك الزي المميز لرجال الجيش .. في المقعد المجاور لمقعدها .. يبدو منهمكًا في قراءة الجريدة .. مأخوذًا بالأخبار .. وقف خلفه مجموعة من العابرين يلتقطون الأخبار في سرعة و انصرفوا .. وقف أحدهم .. رجل يبدو في الستين من عمره مستمرًا في القراءة .. و لم يلحظ الرجل ذلك فأغلق الجريدة .. تسمر الرجل خلفه للحظات و هو ينظر له بضيق ! .. ثم تحرك قليلًا للأمام و ألقى إليه بنظرة أخرى و انصرف ! ندت عنها ضحكة مرتفعة اختفت وسط هدير المحركات !



 ____________________



( مين اللي محني لك عمار .. عمّالك الغلابة )

سرى هذا المقطع من مشغل الأغاني في هاتفها عبر سمّاعات الأذن في اللحظة التي عبر أمامها ذلك العامل .. يدفع عربة حمل الأمتعة أمامه .. و هو منكفأ عليها .. انحنى ظهره من الحمول و الهموم ! لاحظت أن معظمهم كبار السن .. طيابة .. وقف أمامها العامل لبرهةٍ قبل أن يسند عربته للأرض ويجلس عليها ليستريح قليلًا ! بعد لحظات قام ليعرض خدماته على الوافدين لنقل أمتعتهم مقابل اليسير من النقود .. غالبًا ما يعود و تعلو قسماته نظرات الخيبة .. ينتظر قدوم قطار آخر و ينتقل بين الأرصفة دون ملل ! 



 ____________________



( التدخين ضار جدًا بالصحة و يسبب السعال )

 لمحته يمشي على مهلٍ في اتجاهها .. جلس فوق ذلك المقعد القريب .. يلتقط أنفاسه ! .. أخرج علبة من السجائر و أشعل واحدة .. كان ينفث الدخان ثم يدخل في نوبة سعال ! .. دنا من السيدة بجانبه و مال عليها و أعطاها هاتفه و
طلب منها أن تطلب له شخصًا ما ليهاتفه ! هيئته و ملامحة دفعاها لأن تتخيله و كأنه الباشكاتب !



 ___________________




( عزيزتي : الأنوثة ليست في الكعب العالي ) 

بعض النساء ترى أن الأنوثة لا تكتمل إلا بالحذاء ذي الكعب العالي الرفيع .. الرفيع جدًا .. ربما لأنه يساعد على التثني .. تتبختر المرأة في مشيتها بدلال و أحيانا غنوج .. و يتناسب ذلك طرديا مع سمك الكعب و طوله ! هي لا تعرف كيف استطاعت أن تحفظ وزنها فوق هذا الشيء .. ربما لأنها تستند في مشيتها إلى زوجها و لكنها تعرف يقينًا أنه بمجرد دخولها المنزل ستلقي بذلك الشيء عن قدمها و تصب جام غضبها و لعناتها على مخترعه و بائعه و ربما من ترتديه أيضًا



 ____________________




( دعوني أراقب في صمت )

 هي تحب المراقبة في صمت .. تنزعج في حال بادرها أحدهم الحديث .. لا ترده .. لكنها أبدًا لا تبادر بالحديث ! .. و تحاول قدر الإمكان ألا يتطرق الموضوع لمسائل شخصية .. جلست بجانبها الفتاة و سألتها إن كان قطار الإسكندرية سيقف على هذا الرصيف .. أجابتها أنها لا تعرف! .. هي حقًا لا تعرف أي شيء سوى رقم الرصيف ! أخبرتها الفتاة أنها في انتظار والدتها و أنها ستنتظرها في الخارج .. ابتسمت لها و انهمكت في القراءة ! و بعد قليل سألتها الفتاة إن كان هذا السوار يليق مع ذاك الخاتم .. أخبرتها بما تراه و عادت للقراءة سريعًا ! .. احترمت الفتاة صمتها و أجرت عدة مكالمات هاتفية و بعد قليل و دعتها ! في البدء كان ذلك الرجل .. اقترب منها سائلًا عن الوقت .. أخبرته أنها الحادية عشر إلا الربع ! .. أعاد سؤالها إن كان قطردمياط سيقف هنا .. أجابته أنها لا تعرف .. لكنها أرادت مساعدته و سألته إن كان يعرف رقم الرصيف أجابها رصيف "5" أخبرته أنه على الرصيف الخاطىء .. سألته عن معاد وصول قطاره أجابها أنه سيصل في الواحدة و النصف تقريبًا .. اقترب و جلس بجانبها .. و تجاذب معها أطراف الحديث .. تعترف أنها لم تتبين ملامحه و لم تهتم ، لكنها وجدت أنه تنبعث منه رائحة كريهة .. سألها عن سبب وجودها و أي قطار تنتظر و أسئلة أخرى .. أجابته بصبر شديد و أدب و ابتسامة تعلو شفتيها .. لكنها اضطرت للكذب عليه بشأن اسئلته .. هي لم تكن تنتظر صديقتها و لا تؤدي امتحانتها .. غير ذلك كانت صادقة ! دعا لها بالتوفيق و سألها : اسم الكريمة إيه ؟! بالطبع اسمها ليس بالسر الحربي لكنها كانت قد قررت ألا تخبر أحدًا عابرًا عن اسمها .. سألته : لِمَ ؟ .. أجابها بتلعثم : عشان لما نبقى نيجي هنا ... قاطعته منهية الحوار : تيجي بالسلامة .. و اعتدلت في جلستها ! بعد قليل قام و سار بعيدًا .. و قتها تسنى لها رؤيته بالكامل .. يبدو مريبًا .. غريب المنظر ! متسخ الملابس و البدن .. مهوش الشعر أبيضه .. و يحمل بيده كيسًا بلاستيكيًا .. عاد من أمامها ثانية و نظر إليها و رحل!



____________________




( احذر هناك من يراقبك )

التفتت بوجهها للجانب الآخر .. على بُعد مقعدين منها كان يجلس ذلك الرجل الوقور .. يرتدي ملابس مهندمة .. كان يتحدث و يضحك .. ظنت في البداية أنه يتحدث في الهاتف ! .. بعد قليل تبين لها أنه لا يحمل أي هاتف أو أن هناك سماعات في أذنه .. تابعت النظر .. كأنه يتحدث لشخص أمامه .. يشيح إليه بيديه و يضحك .. كان ينظر عن شماله باتجاهها .. أحست أنه يركّز نظره عليها .. ربما لاحظ أنها تراقبه! .. أشاحت بنظرها بعيدًا عنه .. اعتدل في جلسته .. ثم اتجه بجسده للجانب الآخر و انهمك في ذلك الحدث المريب مع أشخاص لا تراهم ! هل فعلًا يرى أشخاص و يتحدث إليهم ؟! من المؤكد أن همومه و أشياء أخرى أوصلته لهذه الحالة .. قررت مراقبته و لكن بحذر !  





الاثنين، 21 يناير 2013

محطة مصر ..





        (1)


لا تذكر عدد المرات التي اعتادت فيها الذهاب لهذا المكان .. بغير انتظار لأحدٍ! ..
هي لا تنتظر في الغالب غير صديقتها السّكندريَّة ..

تَذْكُر أنها خلال سنوات عمرها المنقضية لم تستقل القطار سوى أربع مرات! ..
 مرتان للأسكندرية .. و مرتان للصعيد إحداهما كانت طفلة صغيرة لا تعي ما السفر و ما القطار!


 لكنها لا تدري سر عشقها للمكان بأي حال .. أصبح ملجأً لها ..
 و لعل روحها تقود هذا الجسد .. أهناك من ينتظرها .. أو من تنتظره!
ما تعرفه حقًا هو عشقها للسفر ..
لعل لحظات الجنون تلك تأخذها ذات مرة فتصعد أحد القطارات الساكنة تلك الأرصفة فوق قضبانها ..
 أي رصيف .. أي قطار !
 لعلها تلك اللحظة! ..
تطالع شاشة قيام القطارات و توقيت القيام ! الأقصر ، الإسكندرية ، بورسعيد ، أسوان ..

  فلتصعد أي قطار .. و تراقب الطريق .. الأشجار .. تلك البيوت البسيطة المتناثرة ..


و ما إن تطأ قدمها الأرض حتى تتجول في شوارع المدينة التي لا تعرفها !
تتوه بداخلها .. و تعود مجددًا للقطار .. هي لا تريد العودة!

 تتمنى لو تنتقل من قطار لآخر دون ملل! ..


 انتزعها من أفكارها فتاتان .. جلستا بجانبها تتحدثان ..

إحداهن تقوم بتحريك قدمها بعصبية ..


مما يتسبب في اهتزاز الباب الزجاجي الذي يستندوا إليه جميعًا!
 و انتقلت العصبية تلك إليها .. أرادت أن تطلب منها بأدب شديد أن تكُف عن فعلها ..
.. لكتها أبعدت ظهرها عن الباب في صمت 



_________________________


    (2)

كانت تحاول العبور وسط هذا السيل الجارف من البشر  محاولة تفادي الاصطدام بأحدهم ..
 لتجلس في مكان مناسب!
 اعتادت أن تذهب إلى هناك و تمارس هوايتها في المراقبة .. مراقبة الجميع! 

تراقب كل تلك الأجسام المتحركة منها و الساكنة .. الذاهبة و الآتية .. المسرعة و المتأنية ! 

عُمَّال النظافة الذين اعتادت رؤيتهم .. فتشفق عليهم ..

 الأطفال في صحبة ذويهم و هم يتقافزون في فرح .. فيشرق وجهها ..

 تلمح المتأبِّطين في سعادة .. فتبتسم .. 

و هذا التائه فوق كرسيه المتحرك .. يتلفت يمنة و يسرة في عصبية ! 

ودَّت لو تذهب إليه و تسأله إن كان بإمكانها مساعدته ؟! ..

 بعد لحظات تجده يهاتف أحدهم فيطمئن قلبها ..

 تشعر بالبرد يهز أوصالها و يرتجف جسدها فتضع فوقها ذلك الوشاح الصوفي .. 

!تُخْرِج الرواية من حقيبتها و تبدأ في القراءة .. تأخذها بعيدًا عن المكان ..

بين الفينة و الأخرى تعيدها الأصوات لواقعها ..

 تنظر للقادمين .. و الواقفين ..

 لا تلتفت لذلك المحملق إليها .. تُشيح بنظرها عنه!

 ولا إلى ذلك العابر الذي يلقي إليها بكلمات لا تسمعها ..

 و لكنها ودّت في قرارة نفسها لو قامت إليه فلكمته! 

تترك مراقبة البشر و تتأمل في الديكورات حولها .. هي لا تراها للمرة الأولى!

 و كل مرة ترى أنها مبالغ فيها ..

 تجد أولئك المنبهرين يلتقطون لها الصور .. أو لأنفسهم و هذه الديكورات المقيتة في الخلفية ! 

هي لا تُنكر أنها هي بنفسها قامت بذلك أول زيارة لها بعد التجديدات ..  فقط  هي لم تنبهر! .. 

لكتها أصبحت لا تلتقط سوى بعض اللقطات لها و لصديقتها في هذا المكان ..  فقط للذكرى!  



الثلاثاء، 7 يونيو 2011

مريمة !


صبية صغيرة । في الخامسة من عمرها تبدو أو أكبر من ذلك بقليل !

رأيتها ذلك الصباح في صحبة والدتها حيث كان مجلسها بجواري _ قبطية _ ॥ كانت تطعمها بيد واليد الأخرى تحمل كيس من البلاستيك !

كانت الصبية ممتلئة الجسم عن من هم في مثل عمرها ॥ كانت ملامحها هادئة وإن كانت غير ذلك !

كنت أرقب حركاتها وانفعالاتها ॥ وسكوت أمها رغم ذلك ॥


وللقدر ركبنا معا في نفس العربة ॥ كانت الصبية تضرب كل من تجدها أمامها بغير سبب واضح !

أدركت وقتها وعندما سمعتها تتحدث أنها مريضة !

كانت كثيرة التذمر ॥ وأتبكي أحيانا البكاء الطفولي المزعج هذا ! ॥

اقتربت منها سيدة وأخذت تربت عليها ॥ رأيت الصبية تنظر إليها وللعجب تقذف إليها بقبلة !

ابتسمت السيدة وقبلتها في جبينها ॥ نظرت الصبية لوالدتها ثم للسيدة وقالت لها " فوق " ॥ أبانت الأم أنها تقصد أن الفتاة تدعوها لمنزلهم !

استمريت في مراقبتها ॥ كانت متغيرة المزاج ॥ تضرب هذه وتقبل تلك ॥

وقفت بجواري ॥ ملامحها الجميلة جلعتني أثبت نظري وجهها ! ॥

كنت أنظر إليها وأبتسم ॥ ونظرت لي وبادلتني الإبتسام ! ॥ كانت تحدث أمها وتشير إلي !

أمسكت يديها وقبلتها ॥ وأخذت ألاعبها ॥ تشبثت بيدي وقالت لي " فوق " ॥ وقالت كلمات " لحمة " " سمك "

قالت والدتها ॥ أنها تدعوك لمنزلنا وستقدم لكِ مالدينا من طعام ! ॥

وفجأة مرت بجانبنا بائعة مناديل ॥ نظرت الفتاة لأمها نظرة تطلب منها أن تشتري لها منديل !

ولكن أمها قالت لها أنها معها وليست بحاجة لشراء آخر ॥

وعندما بدأت بالتذمر ॥ اشتريت لها واحدا وقدمته لها ॥ فحرت به بشدة ووضعته في جيب بنطالها !

وقبلتني قبلة على الهواء !

ظللت ممسكة بيدها حتى هبطنا سويا نفس المحطة !

ودعتها ورحلت !