السبت، 26 يناير 2013

محطة مصر (3)





( بالأمس كانت هنا )

 وجدت مقعدها الذي كانت تجلس عليه شاغرًا .. إلا أنها جلست على المقعد الملاصق له ! حيث تذكّرت أنه بالأمس سمعت صوتًا فوقها .. رفعت رأسها لتجد الفانوس المتدلي من السقف فوق رأسها مباشرة يهتز .. و في حال سقوطه فإن رأسها سيكون مستقره .. دار ببالها أنه من الممكن أن يحركه الهواء قيد شبرًا و يسقط فوق رأسها رغم احترازها ! .. ردّدت لنفسها : لا يمنع الحذر القدر .. القدر لا يردُّه غير الدعاء! فقط الدعاء .. فلتلجأ إلى الله إذن و تتضرع إليه أن لا تكون هذه نهايتها !



 ____________________



( الحذاء البني الشمواه ذو الكعب العالي )

مرّت أمامها أم تحمل طفلها فوق كتفها .. و خلفها طفلتها تجر الحقيبة رغم تعثر خطواتها .. ترتدي حذاءًا بكعب .. تشفق عليها ..  تعلم أن الحذاء أرهق قدميها الصغيرتين .. و كم أن قدميها تئنان من الوجع! تذكّرت أول حذاء ارتدته بكعب عالٍ .. كانت في المرحلة الإعدادية وقتها .. كان بني اللون .. لم يكن لها ، كان يخص أختها الأكبر .. كانت تنتظر ذلك اليوم الذي ستتمكن فيه من ارتداء هذا الحذاء .. اليوم الذي ستصبح فيه السندريلا !  تعرف أنها متى ارتدته ستنضم لقائمةالفتيات الكبيرات .. نعم الفتيات الكبيرات فقط هن المسموح لهن بارتداء هذا الحذاء !تذكر حتى اليوم شكله و ملمسه .. شمواه بني!



 ____________________



( قراء عابرون )

كان يرتدي ذلك الزي المميز لرجال الجيش .. في المقعد المجاور لمقعدها .. يبدو منهمكًا في قراءة الجريدة .. مأخوذًا بالأخبار .. وقف خلفه مجموعة من العابرين يلتقطون الأخبار في سرعة و انصرفوا .. وقف أحدهم .. رجل يبدو في الستين من عمره مستمرًا في القراءة .. و لم يلحظ الرجل ذلك فأغلق الجريدة .. تسمر الرجل خلفه للحظات و هو ينظر له بضيق ! .. ثم تحرك قليلًا للأمام و ألقى إليه بنظرة أخرى و انصرف ! ندت عنها ضحكة مرتفعة اختفت وسط هدير المحركات !



 ____________________



( مين اللي محني لك عمار .. عمّالك الغلابة )

سرى هذا المقطع من مشغل الأغاني في هاتفها عبر سمّاعات الأذن في اللحظة التي عبر أمامها ذلك العامل .. يدفع عربة حمل الأمتعة أمامه .. و هو منكفأ عليها .. انحنى ظهره من الحمول و الهموم ! لاحظت أن معظمهم كبار السن .. طيابة .. وقف أمامها العامل لبرهةٍ قبل أن يسند عربته للأرض ويجلس عليها ليستريح قليلًا ! بعد لحظات قام ليعرض خدماته على الوافدين لنقل أمتعتهم مقابل اليسير من النقود .. غالبًا ما يعود و تعلو قسماته نظرات الخيبة .. ينتظر قدوم قطار آخر و ينتقل بين الأرصفة دون ملل ! 



 ____________________



( التدخين ضار جدًا بالصحة و يسبب السعال )

 لمحته يمشي على مهلٍ في اتجاهها .. جلس فوق ذلك المقعد القريب .. يلتقط أنفاسه ! .. أخرج علبة من السجائر و أشعل واحدة .. كان ينفث الدخان ثم يدخل في نوبة سعال ! .. دنا من السيدة بجانبه و مال عليها و أعطاها هاتفه و
طلب منها أن تطلب له شخصًا ما ليهاتفه ! هيئته و ملامحة دفعاها لأن تتخيله و كأنه الباشكاتب !



 ___________________




( عزيزتي : الأنوثة ليست في الكعب العالي ) 

بعض النساء ترى أن الأنوثة لا تكتمل إلا بالحذاء ذي الكعب العالي الرفيع .. الرفيع جدًا .. ربما لأنه يساعد على التثني .. تتبختر المرأة في مشيتها بدلال و أحيانا غنوج .. و يتناسب ذلك طرديا مع سمك الكعب و طوله ! هي لا تعرف كيف استطاعت أن تحفظ وزنها فوق هذا الشيء .. ربما لأنها تستند في مشيتها إلى زوجها و لكنها تعرف يقينًا أنه بمجرد دخولها المنزل ستلقي بذلك الشيء عن قدمها و تصب جام غضبها و لعناتها على مخترعه و بائعه و ربما من ترتديه أيضًا



 ____________________




( دعوني أراقب في صمت )

 هي تحب المراقبة في صمت .. تنزعج في حال بادرها أحدهم الحديث .. لا ترده .. لكنها أبدًا لا تبادر بالحديث ! .. و تحاول قدر الإمكان ألا يتطرق الموضوع لمسائل شخصية .. جلست بجانبها الفتاة و سألتها إن كان قطار الإسكندرية سيقف على هذا الرصيف .. أجابتها أنها لا تعرف! .. هي حقًا لا تعرف أي شيء سوى رقم الرصيف ! أخبرتها الفتاة أنها في انتظار والدتها و أنها ستنتظرها في الخارج .. ابتسمت لها و انهمكت في القراءة ! و بعد قليل سألتها الفتاة إن كان هذا السوار يليق مع ذاك الخاتم .. أخبرتها بما تراه و عادت للقراءة سريعًا ! .. احترمت الفتاة صمتها و أجرت عدة مكالمات هاتفية و بعد قليل و دعتها ! في البدء كان ذلك الرجل .. اقترب منها سائلًا عن الوقت .. أخبرته أنها الحادية عشر إلا الربع ! .. أعاد سؤالها إن كان قطردمياط سيقف هنا .. أجابته أنها لا تعرف .. لكنها أرادت مساعدته و سألته إن كان يعرف رقم الرصيف أجابها رصيف "5" أخبرته أنه على الرصيف الخاطىء .. سألته عن معاد وصول قطاره أجابها أنه سيصل في الواحدة و النصف تقريبًا .. اقترب و جلس بجانبها .. و تجاذب معها أطراف الحديث .. تعترف أنها لم تتبين ملامحه و لم تهتم ، لكنها وجدت أنه تنبعث منه رائحة كريهة .. سألها عن سبب وجودها و أي قطار تنتظر و أسئلة أخرى .. أجابته بصبر شديد و أدب و ابتسامة تعلو شفتيها .. لكنها اضطرت للكذب عليه بشأن اسئلته .. هي لم تكن تنتظر صديقتها و لا تؤدي امتحانتها .. غير ذلك كانت صادقة ! دعا لها بالتوفيق و سألها : اسم الكريمة إيه ؟! بالطبع اسمها ليس بالسر الحربي لكنها كانت قد قررت ألا تخبر أحدًا عابرًا عن اسمها .. سألته : لِمَ ؟ .. أجابها بتلعثم : عشان لما نبقى نيجي هنا ... قاطعته منهية الحوار : تيجي بالسلامة .. و اعتدلت في جلستها ! بعد قليل قام و سار بعيدًا .. و قتها تسنى لها رؤيته بالكامل .. يبدو مريبًا .. غريب المنظر ! متسخ الملابس و البدن .. مهوش الشعر أبيضه .. و يحمل بيده كيسًا بلاستيكيًا .. عاد من أمامها ثانية و نظر إليها و رحل!



____________________




( احذر هناك من يراقبك )

التفتت بوجهها للجانب الآخر .. على بُعد مقعدين منها كان يجلس ذلك الرجل الوقور .. يرتدي ملابس مهندمة .. كان يتحدث و يضحك .. ظنت في البداية أنه يتحدث في الهاتف ! .. بعد قليل تبين لها أنه لا يحمل أي هاتف أو أن هناك سماعات في أذنه .. تابعت النظر .. كأنه يتحدث لشخص أمامه .. يشيح إليه بيديه و يضحك .. كان ينظر عن شماله باتجاهها .. أحست أنه يركّز نظره عليها .. ربما لاحظ أنها تراقبه! .. أشاحت بنظرها بعيدًا عنه .. اعتدل في جلسته .. ثم اتجه بجسده للجانب الآخر و انهمك في ذلك الحدث المريب مع أشخاص لا تراهم ! هل فعلًا يرى أشخاص و يتحدث إليهم ؟! من المؤكد أن همومه و أشياء أخرى أوصلته لهذه الحالة .. قررت مراقبته و لكن بحذر !  





ليست هناك تعليقات: